image
ما المراد من حكمة الله؟ وما الدليل على ذلك؟

المراد من حكمة الله تعالى عند المتكلمين أنه تعالى لا يفعل القبيح ولا يخل بالواجب[1]، فالله تعالى لا تصدر منه الأفعال القبيحة كالظلم والكذب والخيانة وتصديق الكاذب، ولا يخل بالأمور الواجبة، وهو المراد من كونه عادلا.  

ولا يخفى أن الكلام في هذه المسألة مبني على التحسين والتقبيح العقليين، بمعنى أن العقل يحكم بقبح بعض الأفعال، وأن فاعلها إذا تركها يستحق الذم، وكذلك يحكم بوجوب الإتيان ببعض الأفعال بحيث لو تركها يستحق الذم، للتفصيل (راجع هذا السؤال).

 

الدليل على حكمة الله تعالى:

يبتني الدليل على أمرين:

الأمر الأول: الله عالم غني مختار

يبتنى الجواب في هذه المسألة على إثبات ثلاثة صفات لله تعالى:

الأولى – أن الله تعالى عالم بكل شيء، ومنه العلم بالحسن والقبيح، ويدل عليه أنه هو تعالى خالق الإنسان، والإنسان يعلم القبيح والحسن، فلا يعقل أن يكون معطي الكمال -وهو العلم- فاقدا له، فلا محالة من خلق الإنسان عالم بالحسن والقبح، وقال تعالى: ﴿هُوَ الَّذي خَلَقَ لَكُم ما فِي الأَرضِ جَميعًا ثُمَّ استَوى إِلَى السَّماءِ فَسَوّاهُنَّ سَبعَ سَماواتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيءٍ عَليمٌ﴾ [البقرة: ٢٩]

الثانية – أن الله تعالى غني عن خلقه في كل شي، فلا هو محتاج إلى خلقه في وجوده، ولا هو محتاج إليهم لجلب منفعة لنفسه، ولا هو محتاج إليهم لدفع مضرة عنه بهم، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا، قال تعالى: ﴿يا أَيُّهَا النّاسُ أَنتُمُ الفُقَراءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الغَنِيُّ الحَميدُ﴾ [فاطر: ١٥].

الثالثة – أن الله تعالى مختار في فعله، فهو متمكن من الفعل والترك، فلا يوجد ما يجبره أو يضطره أو يلجئه إلى فعل من الأفعال.

ملاحظة: هذه الأمور هي مصادرات يعتمد عليها البحث وأدلتها التفصيلية تطلب من محلها من علم الكلام في أبحاث صفات الله تعالى.

الحاصل: الله تعالى عالم بكل شيء، غني، مختار.

 

الأمر الثاني – متى يفعل المختار القبيح؟

لو تأملنا في الأفعال التي تصدر من الفاعل المختار لوجدناه لا يقدم على الفعل القبيح ولا يترك الواجب إلا لوجود داع إلى ذلك أو أن يكون صدوره عنه اشتباها وجهلا.

فلاحظ -مثلا- أن الإنسان لا يخرج من داره من دون ملابس إذا لم يوجد داع -ولو غير صحيح- لذلك ولم يكن جاهلا بقبح ذلك كما في الأطفال.

ولاحظ أن الإنسان لا يظلم ما لم يوجد داع لذلك أو أن يكون جاهلا بقبح الظلم، كما لو أراد جلب مال أو سلطة بهذا الظلم.

 كذلك إن الإنسان لو خير بين أن يكسب مالا عن طريق الكذب وبين أن يكسبه بالصدق، ولم يوجد داع يرجح الطريق القبيح ولم يكن معتادا على الكذب ولا جاهلا لقبحه = لوجدته يختار الطريق الحسن بلا تردد، وهذا أمر بديهي.

فالحاصل أن الفاعل المختار لا يرتكب القبيح إذا كان عالما بالقبيح ولم يوجد له داع إلى ذلك.

 

النتيجة:

نصل إلى النتيجة من خلال الجمع بين الأمرين فنقول:

هل يمكن صدور الفعل القبيح من قبله تعالى؟

 لما علمنا أنه تعالى مختار لم يكن ليصدر منه القبيح إلا إذا كانت عنده دواع إلى ذلك أو كان جاهلا بقبحه فيصدر منه اشتباها.

وقد علمنا في النقطة الأولى أن الله تعالى [١] عالم بكل شيء، إذن لا يمكن أن يصدر منه القبيح لجهله به، [٢] وأنه تعالى غني، فلا داعي له إلى فعل القبيح مطلقا؛ إذ ليس بمحتاج إلى هذا الظلم لا في وجوده ولا لجلب منفعة ولا لدفع مضرة عن نفسه.

فينتج أنه تعالى لا يرتكب القبيح ولا يخل بالواجب، تعالى الله عن ذلك.

وقد ورد هذا المضمون في أدعية أهل البيت -عليهم السلام-: "فَقَدْ عَلِمْتُ يَا إِلَهِي أَنَّهُ لَيْسَ فِي حُكْمِكَ ظُلْمٌ وَ لَا فِي نَقِمَتِكَ عَجَلَةٌ وَ إِنَّمَا يَعْجَلُ‏ مَنْ يَخَافُ الْفَوْتَ‏ وَ يَحْتَاجُ إِلَى الظُّلْمِ الضَّعِيفُ وَ قَدْ تَعَالَيْتَ يَا إِلَهِي عَنْ ذَلِك‏"[2]

 

----------


[1] لاحظ: المقداد السيوري، الاعتماد في شرح واجب الاعتقاد، ص75

[2] الشيخ محمد بن الحسن الطوسي، تهذيب الأحكام، ج٥، ص٢٧٧؛ الصحيفة السجادية، ص٢٤٠؛ الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، ج١، ص٤٩٠.

شارك عبر الرابط شارك على الواتس اب شارك على X أنشرها على الفيسبوك شارك على تليغرام

هل لديك سؤال؟ اسألنا!

اسأل الباحث