image
ما هو موقف الأئمة (ع) من روايات المخالفين؟

بسم الله الرحمن الرحيم

روى الصفار بسند جيد "حدثنا محمد بن عبد الجبار، عن البرقي، عن فضالة، عن شعيب، عن أبي حمزة، قال: قال أبو عبد الله –عليه السلام-: لن تبقى الأرض إلا وفيها رجل منا يعرف الحق، فإذا زاد الناس فيه قال: قد زادوا، وإذا نقصوا منه قال: قد نقصوا، وإذا جاؤوا به صدّقهم، ولو لم يكن كذلك لم يعرف الحق من الباطل"[1].

وردت أخبار متعددة تبين موقف الأئمة -عليهم السلام- فيما رُوي عن النبي -صلى الله عليه وآله- من قِبَل المخالفين، ويمكن تقسيم هذه الروايات إلى طوائف، نذكر مجموعة منها في المقام.

 

الطائفة الأولى: تثبيت ما عندهم بالنص

روى الكليني بسند صحيح "علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عمر بن أذينة، عن زرارة، قال: قلت لأبي عبد الله -عليه السلام-: ما يروي الناس أن الصلاة في جماعة أفضل من صلاة الرجل وحده بخمس وعشرين صلاة؟ فقال: صدقوا.

فقلت: الرجلان يكونان جماعة؟ فقال: نعم، ويقوم الرجل عن يمين الإمام"[2].

روى الكليني بسند معتبر "محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن ابن أبي نصر، عن الحسين بن خالد، قال: قلت لأبي الحسن -عليه السلام-: إنا روينا عن النبي -صلى الله عليه وآله- أنه قال: من شرب الخمر لم تحتسب له صلاته أربعين يوما.

قال: فقال: صدقوا.

قلت: وكيف لاتحتسب صلاته أربعين صباحا لا أقل من ذلك ولا أكثر؟

فقال: إن الله- عز وجل- قدر خلق الإنسان، فصيره نطفة أربعين يوما، ثم نقلها فصيرها علقة أربعين يوما، ثم نقلها فصيرها مضغة أربعين يوما، فهو إذا شرب الخمر بقيت في مشاشه أربعين يوما على قدر انتقال خلقته.

قال: ثم قال -عليه السلام-: وكذلك جميع غذائه أكله وشربه يبقى في مشاشه أربعين يوما"[3].

روى الكليني بسند فيه ضعف يسير "علي بن محمد، عن سهل بن زياد، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن عبد الله بن سنان، قال: شهدت المغرب ليلة مطيرة في مسجد رسول الله -صلى الله عليه وآله-، فحين كان قريبا من الشفق، نادوا، وأقاموا الصلاة، فصلوا المغرب، ثم أمهلوا بالناس حتى صلوا ركعتين، ثم قام المنادي في مكانه في المسجد، فأقام الصلاة، فصلوا العشاء، ثم انصرف الناس إلى منازلهم، فسألت أبا عبد الله -عليه السلام- عن ذلك، فقال: نعم، قد كان رسول الله -صلى الله عليه وآله- عمل بهذا"[4].

 

الطائفة الثانية: شرح موقف النبي -صلى الله عليه وآله- شرحا صحيحا مخالفا لما عندهم

روى الكليني بسند صحيح "محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن محبوب، عن عاصم بن حميد، عن علي بن أبي المغيرة، قال: قلت لأبي عبد الله -عليه السلام-: جعلت فداك، الميتة ينتفع منها بشيء؟ فقال: لا.

قلت: بلغنا أن رسول الله -صلى الله عليه وآله- مر بشاة ميتة، فقال: ما كان على أهل هذه الشاة إذا لم ينتفعوا بلحمها أن ينتفعوا بإهابها؟

قال: تلك شاة كانت لسودة بنت زمعة زوج النبي -صلى الله عليه وآله-، وكانت شاة مهزولة لا ينتفع بلحمها، فتركوها حتى ماتت، فقال رسول الله -صلى الله عليه وآله-: ما كان على أهلها إذا لم ينتفعوا بلحمها أن ينتفعوا بإهابها، أي تذكى"[5].

روى الشيخ بسند صحيح "الصفار، عن إبراهيم بن هاشم، عن نوح بن شعيب، عن حريز، عن محمد بن مسلم أو زرارة، قال: الصلاة على الميت بعد ما يدفن إنما هو الدعاء، قال: قلت: فالنجاشي لم يصل عليه النبي -صلى الله عليه وآله-؟ فقال: لا، إنما دعا له"[6].

روى الكليني بسند معتبر "محمد بن يحيى، عن عبد الله بن محمد، عن علي بن الحكم، عن الحسين بن أبي العلاء، قال: قلت لأبي عبد الله -عليه السلام-: ما يحل للرجل من مال ولده؟

قال: قوته بغير سرف إذا اضطر إليه.

قال: فقلت له: فقول رسول الله -صلى الله عليه وآله- للرجل الذي أتاه فقدم أباه، فقال له: أنت ومالك لأبيك؟

فقال: إنما جاء بأبيه إلى النبي -صلى الله عليه وآله-، فقال: يا رسول الله، هذا أبي وقد ظلمني ميراثي من أمي، فأخبره الأب أنه قد أنفقه عليه وعلى نفسه، فقال: أنت ومالك لأبيك، ولم يكن عند الرجل شيء، أفكان رسول الله -صلى الله عليه وآله- يحبس الأب للابن؟"[7].

 

الطائفة الثالثة: تكذيب ما يُروى عن النبي -صلى الله عليه وآله- بعينه

روى الكليني بسند صحيح "محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن فضال، عن يونس بن يعقوب، عن عبد الأعلى، قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الغناء، وقلت: إنهم يزعمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله رخص في أن يقال: جئناكم جئناكم، حيونا حيونا نحيكم؟ فقال: كذبوا، إن الله- عز وجل- يقول: «وما خلقنا (السماوات)[8] والأرض ومابينهما لاعبين لو أردنا أن نتخذ لهوا لاتخذناه من لدنا إن كنا فاعلين بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق ولكم الويل مما تصفون.

ثم قال: ويل لفلان مما يصف؛ رجل لم يحضر المجلس"[9].

روى الكليني بسند صحيح "عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد، عن محمد بن أبي حمزة، عن سعيد الأعرج، قال: سمعت أبا عبد الله -عليه السلام- يقول: طلق ابن عمر امرأته ثلاثا وهي حائض، فسأل عمر رسول الله -صلى الله عليه وآله-، فأمره أن يراجعها.

فقلت: إن الناس يقولون: إنما طلقها واحدة وهي حائض.

فقال: فلأي شيء سأل رسول -الله صلى الله عليه وآله- إذا كان هو أملك برجعتها؟ كذبوا، ولكنه طلقها ثلاثا، فأمره رسول الله صلى الله عليه وآله أن يراجعها، ثم قال: إن شئت فطلق، وإن شئت فأمسك"[10].

روى الحميري عن عبد الله بن الحسن، عن جده علي بن جعفر "قال: جاء رجل إلى أخي -عليه السلام- فقال له: جعلت فداك، إني أريد الخروج فادع لي. قال: ومتى تخرج؟ قال: يوم الإثنين. فقال له: ولم تخرج يوم الإثنين؟ قال: أطلب فيه البركة، لأن رسول الله -صلى الله عليه وآله- ولد يوم الإثنين، فقال: كذبوا، ولد رسول الله صلى الله عليه وآله يوم الجمعة، وما من يوم أعظم شؤما من يوم الإثنين، يوم مات فيه رسول الله -صلى الله عليه وآله-، وانقطع فيه وحي السماء، وظلمنا فيه حقنا. ألا أدلك على يوم سهل لين ألان الله -تبارك وتعالى- لداود -عليه السلام- فيه الحديد؟ فقال الرجل: بلى جعلت فداك. قال: اخرج يوم الثلاثاء"[11].

 

الطائفة الرابعة: بيان وقوع النسخ فيما رُوي عن النبي -صلى الله عليه وآله-

روى الشيخ بسند صحيح عن الحسين بن سعيد عن "حماد، عن حريز، عن زرارة، عن أبي جعفر -عليه السلام-، قال: سمعته يقول: جمع عمر بن الخطاب أصحاب النبي -صلى الله عليه وآله- وفيهم علي -عليه السلام-، وقال: ما تقولون في المسح على الخفين؟ فقام المغيرة بن شعبة فقال: رأيت رسول الله -صلى الله عليه وآله- يمسح على الخفين، فقال علي -عليه السلام-: قبل المائدة أو بعدها؟ فقال: لا أدري، فقال: علي -عليه السلام- سَبَقَ الكتاب الخفين، إنما أنزلت المائدة قبل أن يُقبض بشهرين أو ثلاثة"[12].

وبما تقدم يظهر جانب من موقف الأئمة -عليهم السلام- فيما يُروى عن النبي -صلى الله عليه وآله-، وجانب من جوانب حفظهم للدين، ويتضح أيضاً بعض مناشئ الخلاف بيننا وبين المخالفين فيما يُروى عن النبي -صلى الله عليه وآله-.

والحمد لله رب العالمين

 

----------


[1] محمد بن الحسن الصفار، بصائر الدرجات، ج7 ب10 ح4.

[2] محمد بن يعقوب الكليني، الكافي، ج6 ص317 ح5240.

[3] محمد بن يعقوب الكليني، الكافي، ج12 ص690 ح12261.

[4] محمد بن يعقوب الكليني، الكافي، ج6 ص69 ح4876.

[5] محمد بن يعقوب الكليني، الكافي، ج12 ص262 ح11509.

ورواه الشيخ في التهذيب ج2 ص204 ح799 عن الكليني.

[6] محمد بن الحسن الطوسي، تهذيب الأحكام، ج3 ص202 ح473.

[7] محمد بن يعقوب الكليني، الكافي، ج9 ص720 ح8628.

[8] كذا في جميع النسخ والمطبوع. وفي سورة الأنبياء: «السماء» بدل «السماوات». وفي سورة الدخان (44): 38: «السماوات». [هامش المصدر]

[9] محمد بن يعقوب الكليني، الكافي، ج12 ص786 ح12396.

[10] محمد بن يعقوب الكليني، الكافي، ج11 ص476 ح10660.

[11] عبد الله بن جعفر الحميري، قرب الإسناد، ص1177.

ورواه الصدوق في الخصال باب السبعة ح67 بسند صحيح "حدثنا أبي -رضي الله عنه-، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، قال: حدثني أحمد بن محمد بن عيسى، عن موسى بن القاسم البجلي، عن علي بن جعفر ...".

[12] محمد بن الحسن الطوسي، تهذيب الأحكام، ج1 ص361 ح1091.

شارك عبر الرابط شارك على الواتس اب شارك على X أنشرها على الفيسبوك شارك على تليغرام

هل لديك سؤال؟ اسألنا!

اسأل الباحث