إن كان المراد من الاستدلال بالدليل النقلي الاستدلالَ به بما هو دليل نقلي يؤخذ بمضمونه لكونه صادرًا من الصادق الذي لا يُحتمل في قوله الخطأ فهذا لا يصح، لاستلزامه الدور، وبيانه أن إثبات وجود الله بحسب الفرض مبنيّ على صدق الدليل النقلي ومطابقته للواقع، وصدق الدليل النقلي مبنيّ على إثبات وجود الله –سبحانه وتعالى– وإثبات حكمته؛ لأن صدق الدليل النقلي يرجع إلى كونه إخبارا إلهيا صادقا، فيبتني حينئذ إثبات وجود الله على إثبات وجوده -سبحانه-، وهذا غير معقول.
وأما إن كان المراد من الاستدلال بالدليل النقلي الاستدلالَ به من حيث كونه مرشدًا إلى دليل عقلي فلا بأس بذلك، بل هذا منهج صحيح؛ لأن الاستدلال حينئذ لم يكن بالدليل النقلي، بل بالدليل العقلي الذي أرشدنا إليه الدليلُ النقلي، وقد لا يخلو التعبير عنه بالدليل من مسامحة، وقد مُلئ القرآن الكريم والأحاديث الشريفة بالأدلة العقلية.
ولنتبرك بذكر آية وحديث تضمنا دليلا عقليا.
أما الآية فقوله – تعالى - " أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ " [1]، فإن الآية ترشد إلى مبدأ السببية وإلى استحالة الدور البديهيّيْن.
وأما الحديث فما رواه الصدوق – رحمه الله – " حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه، قال: حدثنا الحسين بن أبان، عن الحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد، عن عاصم بن حميد عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قلت له: لم يزل الله مريدا؟ فقال: إن المريد لا يكون إلا لمراد معه: بل لم يزل عالما قادرا ثم أراد " [2]، وقد استدل الإمام – عليه السلام – بحسب الرواية على حدوث صفة الإرادة، وذلك لأن القول بقدمها يستلزم القول بتعدد القدماء.
----------
[1] الطور: 35
[2] الصدوق – التوحيد، ص 146