يوجد طريقان لإثبات نبوة النبي محمد صلى الله عليه وآله:
الطريق الأول: طريق الصدق الأخلاقي
يبتني هذا الطريق على إثبات اتصاف النبي -صلى الله عليه وآله- بالخصال الحسنة التي منها الصدق، وذلك عن طريق دراسة سيرته -صلى الله عليه وآله-، فيدل ذلك على صدق النبي -صلى الله عليه وآله- في دعواه للنبوة.
نعم، هذا لا يكفي لرفع احتمالية الاشتباه في دعوى النبوة، ويمكن رفع هذا الاحتمال بوجوه، منها: ملاحظة مضمون ما أتى به النبي -صلى الله عليه وآله- من جهة مطابقته لحكم العقل ومجانسته لما أتى به الأنبياء السابقون.
الطريق الثاني: طريق الإعجاز
ويمكن تقسيم هذه المعاجز إلى أقسام:
القسم الأول: الإعجاز المرتبط بالتحدي بالقرآن الكريم
ويمكن تقريب الدليل بالنقاط التالية:
النقطة الأولى: النبي -صلى الله عليه وآله- ادعى النبوة.
النقطة الثانية: النبي -صلى الله عليه وآله- جعل الدليل على نبوته كلاماً بليغاً ادّعى تميّزه به عن غيره، سماه القرآن.
النقطة الثالثة: القرآن لم يُعارَض بما يماثل أو يقارب.
النقطة الرابعة: عدم المعارضة راجع للعجز، لا لعدم الداعي.
النقطة الخامسة: العرب كانوا أهل تخصص في شؤون البلاغة.
فيدل عجز المختصين عن المعارضة إما عن أنّ بلاغة القرآن خارقة للعادة، أو أنّ الله سبحانه صرفهم عن المعارضة، وعلى كل تقدير يثبت خرق العادة.
القسم الثاني: الإعجاز المرتبط بمجيء النبي -صلى الله عليه وآله- بما يتعذّر من مثله
وهذا القسم يتكئ على مجموعة من الشواهد التي قد لا تكون خارقة في حد نفسها، ولكنها من جهة استنادها إلى النبي -صلى الله عليه وآله- تكون خارقة.
من هذه الشواهد:
الشاهد الأول: بلاغة القرآن مع كون النبي -صلى الله عليه وآله- معروفاً بعدم تعلّم البلاغة وتداولها.
الشاهد الثاني: الاختلاف الجذري بين أسلوب النبي -صلى الله عليه وآله- وأسلوب القرآن الكريم.
الشاهد الثالث: اشتمال القرآن الكريم على المعارف التوحيدية العالية المتقدمة على المطروح عند أهل الكتاب ونحوهم في ذلك الزمان.
الشاهد الرابع: اشتمال القرآن الكريم على ما لا يتناسب صدوره من النبي ص، كالخطابات الحادة للنبي -صلى الله عليه وآله- والعتابات التي يشتمل عليها القرآن الكريم، منها:
قال تعالى: ﴿وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ﴾ [البقرة: 120]
وقال تعالى: ﴿وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [الزمر: 65]
وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [التحريم: 1]
القسم الثالث: الإعجاز المرتبط بالإخبارات المستقبلية
وهذه الإخبارات إما أن تكون في القرآن الكريم أم لا.
الإخبارات الغيبية في القرآن الكريم:
وقد ثبت ذلك في موارد، منها:
المورد الأول: الإخبار بانتصار الروم في قوله تعالى: ﴿الم ١ غُلِبَتِ الرُّومُ ٢ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ ٣ فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ ٤ بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ٥ وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [الروم: 1-6]
المورد الثاني: الإخبار بأنّ الله سبحانه سيكفي النبي -صلى الله عليه وآله- المستهزئين، قال تعالى: ﴿فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ ٩٤ إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ﴾ [الحجر: 94-95].
المورد الثالث: الإخبار بموت جماعة على الكفر، منهم أبو لهب وامرأته، قال تعالى: ﴿تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ ١ مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ ٢ سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَب ٍ٣ وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ ٤ فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ﴾ [المسد: 1-5]
المورد الرابع: الإخبار بانتصار المسلمين على المشركين رغم الضعف، ومنها الإخبارات المرتبطة ببدر:
قال تعالى: ﴿وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا وَإِذًا لَا يَلْبَثُونَ خِلَافَكَ إِلَّا قَلِيلًا﴾ [الإسراء: 76] وهو ما حصل؛ فإنّ المشركين لم يبلثوا إلا قليلاً بعد إخراج النبي -صلى الله عليه وآله- من مكة حيث لقي الكثير منهم ممن آذى النبي -صلى الله عليه وآله- حتفهم في بدر.
الإخبارات الغيبية في غير القرآن:
من هذه الإخبارات: إخبار النبي -صلى الله عليه وآله- بانتصار أمير المؤمنين في خيبر، وإخباره بمقتل عمار بن ياسر والإمام الحسين -عليه السلام-، وبغدر الأمة بأمير المؤمنين -عليه السلام-، وبظهور الخوارج وقتال أمير المؤمنين -عليه السلام- على التأويل.
القسم الرابع: الإعجاز المرتبطة بالإخبارات الغيبية السابقة على القرآن الكريم مع وضوح عدم تعلّم النبي -صلى الله عليه وآله- من أهل الكتاب
ويتوقف هذا القسم على بيان نقطتين:
النقطة الأولى: أنّ النبي -صلى الله عليه وآله- لم يتعلّم من أهل الكتاب.
وهذا يثبت عن طريق [1] القرآن الكريم عن طريق إخبار القرآن الكريم بعدم التعلم وعدم الاعتراض على هذه الدعوى [2] أو عن طريق الواقع التاريخي لتراث أهل الكتاب.
النقطة الثانية: أنّ النبي -صلى الله عليه وآله- أخبر بهذه الإخبارات في سياق الاحتجاج، قال تعالى:﴿نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى﴾ [الكهف: 13]، وقال تعالى: ﴿سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا٢٢﴾ [الكهف: 22]، وقال تعالى: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا﴾ [الكهف: 83]
ونفس سؤال أهل الكتاب النبيَّ -صلى الله عليه وآله- عن هذه الأمور يدل على عدم تعلم النبي من أهل الكتاب، وعدم الاعتراض على النبي -صلى الله عليه وآله- يدل على صحتها.
كما أنه يمكن إثبات صحة بعض هذه الإخبارات بالمعطيات الخارجية، كوجودها في بعض الآناجيل القديمة المستكشفة متأخراً.
القسم الخامس: الإعجاز المرتبط بالخوارق لقوانين الطبيعة
كشق القمر، وحنين الجذع، والنصر الخارق للعادة في الحروب، ونبع الماء من أصابعه -صلى الله عليه وآله- أو ببصقه -صلى الله عليه وآله- في البئر ونحو ذلك.
القسم السادس: الإعجاز المرتبط بشهادة أهل الكتاب وشهادة المعطيات الكتابية الواصلة بنبوته -صلى الله عليه وآله-
ويمكن إثبات ذلك بطريقين:
الطريق الأول: النبي -صلى الله عليه وآله- احتج بوجوده في كتب أهل الكتاب ولم ينكروا عليه ذلك، فيدل ذلك على صحة احتجاج النبي ص.
الطريق الثاني: الاحتجاج بنفس نصوص الكتب المقدسة، مع إثبات انطباق البشارة على خصوص النبي -صلى الله عليه وآله- دون غيره.
القسم السابع: الإعجاز العلمي
وقع كلام طويل في صحة هذا القسم من الإعجاز، وبغض النظر عن تمامية هذا القسم يمكن ذكر تقريبين له:
التقريب الأول: اشتمال القرآن الكريم وحديث النبي -صلى الله عليه وآله- على مطالب علمية لا يمكن معرفتها بحسب الأدوات المتاحة في عصر النبي ص.
التقريب الثاني: بيان القرآن الكريم والنبي -صلى الله عليه وآله- لجملة من المطالب العلمية المخالفة لما هو المعروف في بيئة النبي -صلى الله عليه وآله- من دون الوقوع في أي خطأ علمي.