image
كيف يمكن إثبات النبوة؟

تعريف النبي:

قبل أن ندخل في الجواب لا بد أن نعرف معنى النبوة ليتسنى لنا ذكر طرق إثباتها.

النبي هو "الإنسان المخبر عن الله تعالى بغير واسطة أحد من البشر"[1]، وعليه فنحن في هذا السؤال نريد البحث عن الطريق لإثبات صدق اتصال إنسان ما بالله تعالى على نحو يكون هذا الإنسان مُوصِلا لكلام الله -تعالى- ومراده -تعالى- إلينا.

إذا اتضح هذا فنقول: عندنا طريقان رئيسان لإثبات النبوة:

 

الطريق الأول – دليل المعجزة

تبتني فكرة دليل المعجزة على ادعاءِ شخص نبوته واتصاله بالله تعالى، واقترانِ الادعاء الأول بادعائه بأن الله تعالى سيصدِّقه بخرق عادته (=المعجزة)، ثم حصول خرق العادة من الله تعالى، فيكون خرق العادة تصديقا لدعوى النبي ودليلا يقينيا على نبوته.

مثال عرفي: لو ادعى أحد أنه مبعوث من الحاكم، فلا بد من له دليل يصدق دعواه، فلو قال حين الدعوى أن الحاكم سيصدقني بخرق عادته -التي يجري عليها في جلوسه على كرسي الحكم- برفع يده لمدة ثلاثة دقائق -مثلا-، وكانت عادة الحاكم حين جلوسه على الكرسي عدم رفع اليد لمدة طويلة، ثم وجدنا الحاكم -بعد دعوى ذلك الرجل- رَفَع يده تلك المدة، سيكون هذا الفعل تصديقا لكلام ذلك المدعى.

هذا إجمال الفكرة، وأما التفصيل فدليل المعجزة يتقوم بأمور:

الأمر الأول – دعوى النبوة:

لا بد من وجود دعوى من شخص أنه نبي متصل بالله تعالى،كما في قوله تعالى: ﴿قُل يا أَيُّهَا النّاسُ إِنّي رَسولُ اللَّهِ إِلَيكُم جَميعًا الَّذي لَهُ مُلكُ السَّماواتِ وَالأَرضِ﴾ الآية [الأعراف: ١٥٨]، وقوله تعالى: ﴿وَإِذ قالَ عيسَى ابنُ مَريَمَ يا بَني إِسرائيلَ إِنّي رَسولُ اللَّهِ إِلَيكُم﴾ الآية [الصف: ٦].

الأمر الثاني – الاقتران بدعوى خرق العادة:

وذلك بأن تقترن دعوى النبوة بدعوى أن الله تعالى سيصدِّقه بخرق عادته[2]، والمراد من عادة الله تعالى تلك العادة الناشئة من تكرار فعله أو ما جعله تعالى من القوانين الطبيعية، ويكون خرق العادة بأن يفعل الله تعالى ما يخالف تلك العادة المعلومة كتحول العصا ثعبانا وشق البحر وما شاكل، أما لو كان الأمر على طبق عادته وقوانين الكون كأن يقول أن الصبح سيطلع غدا فلا يعد هذا خرقا للعادة كما هو واضح، وهذا هو ما نسميه المعجزة.

الأمر الثالث - دلالة خرق العادة على التصديق:

يدل خرق العادة مع اقترانه بالدعوى دلالة قطعية على تصديق الدعوى، بمعنى أن خرق العادة إذا اقترن بالدعوى يكون في قوة قول الله -تعالى-: "هذا النبي صادق"، والمنبه على ذلك المثال العرفي للحاكم الذي بدأنا به الحديث، حيث إن الحاكم برفع يده قد دلنا على صدق دعوى الرجل، وإلا فلم خرق عادته بعد دعوى ذلك الشخص؟!

الأمر الرابع – قبح تصديق الكاذب عقلا

غاية ما يدله خرق العادة التصديق، والتصديق قد يكون للصادق وقد يكون للكاذب، فقد يكون ذلك الرجل المدعي كاذبا ومع هذا صدقه الحاكم لغرض ما.

ولضمان صدق الدعوى ومطابقة التصديق للواقع لا بد أن نرجع لبديهيات العقل التي تنص على قبح تصديق الكاذب عقلا كما يعلم بالتأمل، ثم نضمها إلى ما ثبت في بحث عدل الله تعالى من أن الله تعالى لا يفعل القبيح، فتكون النتيجة أن أي تصديق من الله تعالى عن طريق المعجزة يكون تصديقا للصادق؛ لقبح تصديق الكاذب، تعالى الله عن فعل القبيح علوا كبيرا.

النتيجة:

 لو جاء نبي وادعى نبوته، ثم ادعى أن الله سيصدق دعواه بخرق عادته كشق البحر أو إتيان ما يعجز سائر المتخصصين في مجاله عن الإتيان به كالقرآن في بلاغته-مثلا-، ثم حصل خرق العادة من قبل الله تعالى تبعا لدعوى النبي، حصل التصديق للنبي وعلم صدق دعواه، ووجب اتباعه فيما يوحى إليه.

 

الدليل الثاني – دليل الصدق الأخلاقي

لو عاشرت شخصا لمدة طويلة، وما وجدت منه إلا ما يشير إلى حسن الخلق وطيب المعاشرة، فما كذب كذبة قط، ولا سرق قط، ولا خان قط، ولا ...، فإنه سيحصل لك يقين بحسن خلقه وسيرته، فلو أخبرك يوما خبرا عظيما، وتكرر منه هذا الإخبار مرات متعددة، فإنك بطبيعة الحال ستصدقه؛ إذ بمعرفة حسن سيرته في مختلف الجوانب يحصل عندك يقين بأنه لا يكذب فيما يقوله.

يمكن تطبيق الأمر نفسه بالنسبة إلى إخبار النبي بنبوته من خلال الأمور التالية:

الأول: استكشاف الحالة الأخلاقية للنبي.

تُستكشف هذه الحالة من خلال تكثير الشواهد على وجود خصال وأخلاق حسنة عند النبي، بحيث تُشَكل هذه الشواهد بحساب الاحتمال يقينا بوجود ملكة راسخة وحالة نفسية ثابتة عند هذا النبي في اتباع أحكام العقل العملي والأخلاق الحسنة.

وهذه الشواهد التي نبحث عنها ليست مختصة بخلق معين كالصدق، أو زمان معين، إذ إن الحالة النفسية التي تستكشف بهذا الدليل هي الاستقامة الأخلاقية العامة، لا في خلق مخصوص أو زمان مخصوص، وهي تعلم بمجموع صفات الإنسان، ولو لاحظنا الواقع الخارجي لوجدنا هذا ملموسا، فإن من حسنت أخلاقه من جهات متعددة ستجده بطبيعة الحال يتجنب الكذب.

ومن هنا فإن مثل هذا الشخص لو حدثني بحديث -لا سيما ولو كان أمرا مهما جدا وتكرر منه الإخبار- لا يمكن أن يكون كاذبا فيه.

الثاني: تطبيق الأمر على دعوى النبوة

تطبيقا لما علم في الأمر السابق، فلو جاء رجل -ثبت وجود هذه الملكة الأخلاقية عنده- وادعى أنه نبي مرسل من الله تعالى، فإني لعلمي بحاله سأصدقه بطبيعة الحال، لا سيما وأنه ادعى أمرا في غاية الأهمية والخطورة، بل وتكررت منه الدعوى مرارا وتكرار، ومثل هذا الأمر لا يحتمل أن يكذبه مثل هذ الإنسان.

الثالث: نفي الاشتباه

غاية ما يدله ما تقدم هو عدم كونه كاذبا، إلا أنه لا بد من ضمان أن ما ينقله صحيح وأنه لم يشتبه في هذا، فقد يقول قائل أن النبي صادق إلا أنه من المحتمل أنه قد اجتهد أمرا ظنه يقينيا أو تخيل أمرا وظنه مطابقا للواقع فأخبر به الناس بحسن نية، ويمكن دفع هذا الاحتمال بالتالي:

دفع احتمال الاجتهاد:

دعوى النبي هي أمر حسي، حيث إنه يخبر عن أمور حسية من معاينة الملك وسماع الكلام وتلقي الوحي وما شاكل، وهذه الأمور لا ترجع إلى اجتهاد شخصي بل إلى ما شاهده وعاينة فلا مجال لادعاء الاشتباه من ناحية وجود خطأ في الاستدلال مثلا، ففرق بين أن يقول لك شخص رأيت بعيني أن زيدا قادم، وبين من يقول بحسب الأدلة اليقينية التي عندي فإن زيد قد قدم.

دفع احتمال الاشتباه والتوهم:

لو قلنا  أن النبي قد توهم فيما شاهده، فلا بد أن نفرض أنه توهم في جميع ما بلَّغه عن الله تعالى، و أن التوهم قد نشأ إما صدفة أو لمرض نفسي، ويمكن إبطال هذه الفرضية بعدة أمور:

الأول – بيان اتزان شخصية النبي في مختلف الجوانب الأخلاقية والاجتماعية والسياسية بحيث لا تظهر عليه أعراض المرض، بل وإمساكه لشؤون المجتمع أو الدولة لا يجتمع مع كونه يعيش اضطرابا نفسيا أو فكرا.

الثاني -  تكثر ما ينسبه إلى الله تعالى وكون ما ينسبه في طوال فترة النبوة صحيحا عقلا وأخلافا بل ومتميزا لا نظير له، وهذا لا يناسب فكرة التوهم أو المرض النفسي.

الثالث- وضوح الأمور عند النبي بحيث لا يعيش أي تردد فيما ينسبه إلى تعالى، وهذا لا يناسب من يكون مشتبها متوهما.

الرابع – تناسب ما ينسبه إلى الله تعالى مع الأحداث التي تحصل والأسئلة التي ترد، ولا يحتمل أم يكون مرجع ذلك إلى توهمات وأمراض نفسية.

 

بمجموع هذه الأمور يمكن تصديق دعوى النبي للنبوة، والحمد لله.

 

----------

 

[1] العلامة الحلي، مناهج اليقين، ص٢٦٣، وهذا التعريف يفي بالغرض في هذا المقام، ولسنا في مقام تنقيح المصطلح الشرعي بدقة من ناحية التفريق بين النبي والرسول.            

[2] ملاحظة: هذا الاقتران إما أن يكون بتصريح النبي كما لو قال لقومه دليل صدق دعواي أن الله سيفعل كذا وكذا خارقا عادته تصديقا لي، وهو ما حصل بالنسبة للقرآن الكريم، أو أن يحصل في الخارج خرق لعادته بحيث يعلم بقرائن الحال أن هذا الخرق تصديق لدعواه كما جرت المعجزة على يد صاحب الدعوى مثلا، أو تكررت المعجزات المحتفة به وما شاكل.

شارك عبر الرابط شارك على الواتس اب شارك على X أنشرها على الفيسبوك شارك على تليغرام

هل لديك سؤال؟ اسألنا!

اسألنا