يمكن أن تعد الليبرالية العلمانية من أكثر المذاهب الفكرية حضورا زماننا، والمراد بذلك النظام الذي يفصل الدين عن السياسة مع تكفل جملة الحريات لأفراد المجتمع، كحرية الاعتقاد وحرية التعبير والحرية الشخصية بشرط عدم التعدي على حريات الآخرين.
وبتأمل بسيط في هذا المذهب تتضح منافاته لمبادئ النظام الإسلامي، ولإيضاح ذلك تفصيلا موضع آخر.
والغرض من هذه الكلمة الموجزة = تقديمُ جواب عن بعض الشبهات التي يطرحها متبنّوا العلمانية الليبرالية.
حاصل الشبهة: أن كثيرا من الاعتراضات الإسلامية على المذهب العلماني لا تقترن بتقديم نظام قابل للتطبيق العملي، ومع عدم تقديم النظام القابل للتطبيق لم يكن للاعتراض معنى!
ونحن لا نسلّم في المقام انتفاء عدم البديل العملي، ففي بحوث فقهاء الإسلام ما يفي بتقديم رؤى شرعية تنسجم مع الواقع.
ولكن لنسلّم جدلاً بعدم وجود بديل عملي حالي، فهذا لا ينفي حُسْن انتقاد الفكر العلماني.
ويمكن تقديم فائدتين مهمتين في هذا السياق:
الفائدة الأولى: أننا بانتقادنا لهذا الفكر نريد أن نبين أن بعض أساسيات هذا النظام تتعارض مع بعض مبادئ الإسلام، وهذا من شأنه أن يُصلح اعتقادات المسلم ويمنعه من التأثير بالاعتقاد الفاسد وإن عجزنا عن تطبيق ما يقتضيه الشرع الحنيف.
فالشرع الإسلامي لا يبيح اعتقاد الإنسان بما يشاء، فلا يصح أن يؤمن الإنسان بما لا يبرره العقل والمنطق، ولا يفتح المجال للإباحية وزواج المثليين ولو أمكن تصوير عدم وجود ضرر في مثل هذه الظواهر المحرمة، فلا ينبغي للإنسان أن يقبل ذلك ويرضى به بحجة الحرية الشخصية!
فالواجب أن يعتقد الاعتقاد الصحيح السليم وإن كان الواقع العملي يجبره على عدم تطبيقه.
الفائدة الثانية: أن في هذه الاعتراضات تنبيها للناس على ما يمكن تسميته بالعلمانية غير الشعورية، فقد يغفل الإنسان عن نفسه وعن تربية عياله التربية الصحيحة، ويتبنى مواقف عملية لا تنسجم مع الإسلام غفلة منه ومن دون أن يلتفت إلى منافاة الشرع.
مثالا على ذلك نجد البعض يترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بحجة أن الطرف الآخر حر في تصرفاته واعتقاداته انطلاقا من مبادئ علمانية مغروسة في المجتمع بشكل غير شعوري، فبانتقادنا للنظام وبيان أسسه الفاسدة يتنبه المسلم إلى أن متبنيات هذا الفكر تتصادم مع عقائده الحقة المبنية على الأدلة المنطقية ويلتفت إلى العادات والتصرفات الفاسدة التي ما أنزل الله بها من سلطان.