يأتي التفويض في الروايات بمعنيين
المعنى الأول للتفويض
وهو الذي جاء في الروايات مقابل الجبر؛ ومعناه وقوع شيء في العالم على خلاف إرادته وبدون إذن منه سبحانه وتعالى؛ بحيث يريد الله وقوع شيء، فيقع على خلاف ما أراد، أو يقع شيء في العالم من دون أن يكون لله تعالى غرض فيه؛ وهو ما يعبّر عنه بالتفويض الانعزالي؛ أي أن الله تعالى خلق العالم وتركه وانعزل عنه
المعنى الثاني للتفويض
فهو التفويض المتعلّق بإعطاء الغير الإذن العام بالتصرّف في أمور معينة بعد إقداره على ذلك، وبعد كون ما يفعله المفوّض إليه غير خارج عن إرادة الله تعالى وغرضه، فلا يلزم من هذا التفويض انعزال الله تعالى عن العالم
والروايات التي جاءت بالمعنى الأول، هي روايات الأمر بين الأمرين
وقد أبطلت هذه الروايات هذا النوع من التفويض، وذكرت أن إرادة الله عز وجل نافذة في كل شيء، بما فيها أفعال العباد؛ فلا يقع شيء في الكون ولا شيء من أفعال العباد إلا بعد أن تتعلّق إرادة الله تعالى ومشيئته بجميع ذلك، من دون أن يبلغ ذلك حدّ الجبر وسلب الاختيار عن العباد؛ فلا جبر ولا تفويض؛ أي أن الله تعالى لم يسلب العباد القدرة، فلا جبر، وأيضا لم يترك الأمر لهم بحيث يقع منهم ما يخالف غرضه وهدفه من خلق العالم، فلا تفويض؛ بل إن كل ما يقع في العالم من معاصي وطاعات فهو داخل في غرض الله تعالى وحكمته
وإليك بعض الروايات التي جاءت بهذا المعنى:
١- روى الصدوق بسنده عن إبراهيم بن عمر اليماني عن أبي عبد الله –عليه السلام-، قال: إن الله عز وجل خلق الخلق فعلم ما هم صائرون إليه، وأَمَرَهم ونَهاهُم، فما أَمَرهم به من شيء فقد جعل لهم السبيل إلى الأخذ به وما نَهاهُم عنه من شيء فقد جعل لهم السبيل إلى تركه، ولا يكونوا آخذين ولا تاركين إلا بإذن الله
٢- روى الكليني بسنده عن أبي عبد الله -عليه السلام- قال: الله أكرم من أن يكلف الناس ما لا يطيقون، والله أعزّ من أن يكون في سلطانه ما لا يريد
٣- روى الكليني بسنده عن أبي جعفر وأبي عبد الله –عليهما السلام-، قالا: إن الله أرحمُ بخلقه من أن يجبر خلقه على الذنوب ثم يعذبهم عليها، والله أعز من أن يريد أمرا فلا يكون، قال: فسئلا –عليهما السلام-: هل بين الجبر والقَدَرِ منزلةٌ ثالثة؟ قالا: نعم، أوسع مما بين السماء والأرض
٤- روى البرقي بسنده عن حمزة بن حمران قال: قلت له: إنا نقول إن الله لم يكلف العباد إلا ما آتاهم، وكل شيء لا يطيقونه فهو عنهم موضوع، ولا يكون إلا ما شاء الله وقضى وقدّر وأراد، فقال: والله إن هذا لديني ودين آبائي
أما الروايات التي جاءت بالمعنى الثاني فهي الروايات التي دلّت على أن الله تعالى قد فوّض إلى نبيّه وأوصيائه أمر الدين والحكم بين الناس، فقد دلّت الروايات أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة عليهم السلام لهم أن يأمروا وينهوا، ويحكموا بين الناس، ويقسّموا الأموال والصدقات، وأن يجيبوا وألا يجيبوا، بلا حاجة منهم للرجوع إلى الله تعالى في كلّ مورد؛ بل إن ذلك موكول إليهم بما يقدّرونه من مصلحة
١- روى الكليني بسنده عن فضيل بن يسار قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول لبعض أصحاب قيس الماصر: إن الله عز وجل أدب نبيه فأحسن أدبه فلما أكمل له الأدب قال: " إنك لعلى خلق عظيم "، ثم فوض إليه أمر الدين والأمة ليسوس عباده، فقال عز وجل: " ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا " وإن رسول الله صلى الله عليه وآله كان مسددا موفقا مؤيدا بروح القدس
٢- روى الكليني بسنده عن عبد الله بن سنان، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: لا والله ما فوض الله إلى أحد من خلقه إلا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وإلى الأئمة، قال عز وجل: " إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله" وهي جارية في الأوصياء عليهم السلام
٣- روى الكليني بسنده عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال: سمعته يقول: قال علي بن الحسين عليه السلام على الأئمة من الفرض ما ليس على شيعتهم، وعلى شيعتنا ما ليس علينا، أمرهم الله عز وجل أن يسألونا، قال: " فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون " فأمرهم أن يسألونا وليس علينا الجواب، إن شئنا أجبنا وإن شئنا أمسكنا
وفي المقابل جاءت روايات تنفي التفويض في الخلق والرزق
فقد روى الصدوق مرسلا عن زرارة أنه قال: قلت للصادق - عليه السلام -: (إن رجلا من ولد عبد الله بن سبأ يقول بالتفويض، قال عليه السلام : وما التفويض؟ قلت: يقول: إن الله عز وجل خلق محمدا صلى الله عليه وآله وسلم وعليا عليه السلام ثم فوض الأمر إليهما، فخلقا، ورزقا، وأحييا، وأماتا
فقال: كذب عدو الله، إذا رجعت إليه فاقرأ عليه الآية التي في سورة الرعد ﴿أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم قل الله خالق كل شئ وهو الواحد القهار﴾
فانصرفت إلى رجل فأخبرته بما قال الصادق عليه السلام فكأنما ألقمته حجرا، أو قال: فكأنما خرس
لكن السؤال هنا، هل التفويض المرفوض في هذه الروايات هو التفويض الذي يلزم منه انعزال الله تعالى (المعنى الأول)، أم هو التفويض بمعنى إعطاء الإذن والقدرة على التصرف حتى وإن لم يلزم منه انعزال الله تعالى (المعنى الثاني)؟
والجواب، هو أن روايات نفي التفويض في الخلق والرزق تنفي التفويض بالمعنيين معا؛ أي أن الله تعالى لم يُقدر غيره على الخلق والرزق ولم يعطِ الإذن في ذلك؛ وذلك بدوره ينفي التفويض بالمعنى الأول، فلا يقع الخلق والرزق على خلاف ما يريد الله تعالى بحيث يلزم انعزاله
والدليل على هذا الكلام، هاتان الروايتان:
روى الطوسي بسنده عن أحمد الدلال القمي قال: اختلف جماعة من الشيعة في أن الله عز وجل فوض إلى الأئمة صلوات الله عليهم أن يخلقوا أو يرزقوا؟ فقال قوم هذا محال لا يجوز على الله تعالى، لان الأجسام لا يقدر على خلقها غير الله عز وجل وقال آخرون بل الله تعالى أقدر الأئمة على ذلك وفوضه إليهم فخلقوا ورزقوا وتنازعوا في ذلك تنازعا شديدا، فقال قائل: ما بالكم لا ترجعون إلى أبي جعفر محمد بن عثمان العمري فتسألونه عن ذلك فيوضح لكم الحق فيه، فإنه الطريق إلى صاحب الامر عجل الله فرجه، فرضيت الجماعة بأبي جعفر وسلمت وأجابت إلى قوله، فكتبوا المسألة وأنفذوها إليه، فخرج إليهم من جهته توقيع نسخته:
إن الله تعالى هو الذي خلق الأجسام وقسم الأرزاق، لأنه ليس بجسم ولا حال في جسم، ليس كمثله شيء وهو السميع العليم، وأما الأئمة عليهم السلام فإنهم يسألون الله تعالى فيخلق ويسألونه فيرزق، إيجابا لمسألتهم وإعظاما لحقهم
وروى الصدوق بسنده عن محمد بن علي ماجيلويه (ره) قال: حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم عن أبيه عن ياسر الخادم قال: قلت للرضا عليه السلام ما تقول في التفويض؟
فقال: إن الله تبارك وتعالى فوض إلى نبيه (ص) أمر دينه فقال: (ما اتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) فاما الخلق والرزق فلا
ثم قال عليه السلام: إن الله عز وجل يقول: (الله خالق كل شئ) وهو يقول: (الله الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم قل هل من شركائكم من يفعل من ذلكم من شئ سبحانه وتعالى عما يشركون)
والرواية الأولى تدلّ أن الله تعالى لم يُقدر الأئمة عليهم السلام على الخلق والرزق، بل إنهم يسألون الله تعالى فيخلق ويسألونه فيرزق
والرواية الثانية تدلّ أن الله تعالى لم يفوّض إلى نبيّه أمر الخلق والرزق، بينما فوّض إليه أمر دينه؛ ومن المعلوم أن التفويض في أمر الدين هو التفويض بالمعنى الثاني، أي أن الله تعالى أعطى نبيّه الإذن والقدرة على إدارة شؤون الدين، من دون أن يلزم ذلك انعزال الله تعالى عن أمور التشريع بحيث يقع تشريع على خلاف ما يريد؛ وعليه يكون التفويض المنفيّ في الرواية والمتعلّق بشؤون الخلق والرزق هو نفس التفويض في شؤون الدين؛ فلا يوجد إذن وقدرة على الخلق والرزق سواء لزم الانعزال أم لم يلزم
والنتيجة: أن التفويض في الخلق والرزق منكرٌ مطلقا، حتى مع (١) إقدار الله تعالى (٢) وإذنه (٣) وعدم اعتزاله
تنبيهٌ: المراد من الرزق في روايات التفويض، هو تقدير الأرزاق وتقسيمها في التقديرات الإلهية (كاللوح والقضاء والقدر) وليس المراد منه إيصال الأرزاق الذي قد يتمّ عبر الملائكة وغيرها من الأسباب الطبيعية؛ وذلك يُفهم من التوقيع المروي عن طريق الطوسي فجاء فيه: "إن الله تعالى هو الذي خلق الأجسام وقسّم الأرزاق"
وأيضا روى الكشي بسنده عن ابن مسكان قال: دخل حجر بن زائدة وعامر بن جذاعة الأزدي على أبي عبد الله عليه السلام فقالا له: جعلنا فداك إن المفضل بن عمر يقول: إنكم تقدّرون أرزاق العباد
فقال: والله ما يقدّر أرزاقنا إلا الله، ولقد احتجت إلى طعام لعيالي فضاق صدري وأبلغت إلي الفكرة في ذلك حتى أحرزت قوتهم، فعندها طابت نفسي
وقد يعترض أحدهم فيقول، صحيح أن المُنكَر في الروايات هو الخلق عبر التفويض (بالمعنى الثاني)، أما الخلق بلا تفويض فلا محذور فيه؛ كأن يُقال بأن الله تعالى أعطى غيره القدرة على الخلق والرزق لكن لم يُعطه الإذن العامّ فيه، وإنما يأمره فيخلق، ولا يأمره فلا يخلق؛ فهو لا يخلق ولا يرزق إلا بعد أن يرجع لله تعالى ويأخذ الإذن منه في كل مورد؛ فلم يفوّض إليه أمر الخلق والرزق كما فوّض إليه أمر الدين
وهذا الكلام أيضا غير صحيح؛ وذلك لما دلّ من أن الخلق محصور بالله تعالى، سواء كان الخلق بتفويض من الله أو من دون تفويض
أما الأدلة والقرائن على ذلك فهي:
١- أن صاحب هذه المقالة يجعل المحذور في التفويض هو ذات التفويض لا ما تعلّق به التفويض؛ وكأن التفويض بحدّ ذاته لا يصدر من الله تعالى!
بينما النصوص أثبتت التفويض في التشريع للنبي صلى الله عليه وآله، وهذا يقتضي كون التفويض ( بالمعنى الثاني) بحدّ ذاته جائزا؛ فيكون المحذور في التفويض هو التفويض المتعلّق بالخلق والرزق بالخصوص، لا نفس التفويض، وهذا معناه وجود خصوصية في الخلق والرزق بحيث يكون الله تعالى هو المتفرّد فيهما.
٢- أن النصوص التي تنفي الخلق بالتفويض= تنفي صدور الخلق عنهم من دون تفويض أيضا؛ فإن الإمام عليه السلام لمّا لم يستدرك ويقول: "نحن نخلق بأمر الله تعالى"، تنبيها للسائل لئلا يتوّهم أنهم لا يخلقون مطلقا= دلّ على أنهم فعلا لا يخلقون مطلقا؛ وذلك لأن السائل يتوقّع من الإمام عليه السلام بيان مقامهم المرتبط بهذا الموضوع؛ فنلاحظ أن الإمام عليه السلام بيّن للسائل أن الله قد فوّض إلى نبيّه أمر التشريع، لئلا يتوهّم أن الله لم يفوّض إليهم شيئا!
وكذلك الأمر ها هنا؛ فإن الإمام لو كان يخلق ويرزق بلا تفويض لبيّن للسائل ذلك مع مناسبة المقام لذلك
٣- أن الأئمة عليهم السلام أبطلوا التفويض عبر استشهادهم بالآيات التي تحصر الخلق بالله تعالى؛ باعتبار أن الآيات الدالّة على حصر الخلق بالله تعالى تبطل التفويض في الخلق من رأس
ومن النصوص القرآنية التي استشهد بها الأئمة عليهم السلام لإبطال التفويض في الروايات السابقة:
{أم هل تستوي الظلمات والنور أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم}
{الله خالق كل شئ}
{الله الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم قل هل من شركائكم من يفعل من ذلكم من شئ سبحانه وتعالى عما يشركون}
فاستشهاد الإمام عليه السلام بهذه الآيات يُفهم منه إقرار الإمام عليه السلام بدلالة الآيات على الحصر وبناؤه على هذه الدلالة لإبطال التفويض
٤- أن الله تعالى احتجّ على وجوب عبادته بكونه خالقا، وهذا يقتضي حصر الخلق بالله تعالى
ومن هذه الآيات:
{يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون}
{وما لي لا أعبد الذي فطرني وإليه ترجعون}
{قل من رب السماوات والأرض قل الله قل أفاتخذتم من دونه أولياء لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا قل هل يستوي الأعمى والبصير أم هل تستوي الظلمات والنور أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم قل الله خالق كل شيء وهو الواحد القهار}
{قل أرأيتم شركاءكم الذين تدعون من دون الله أروني ماذا خلقوا من الأرض أم لهم شرك في السماوات أم آتيناهم كتابا فهم على بينت منه بل إن يعد الظالمون بعضهم بعضا إلا غرورا}
{بديع السماوات والأرض أنى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة وخلق كل شيء وهو بكل شيء عليم، ذلكم الله ربكم لا إله إلا هو خالق كل شيء فاعبدوه وهو على كل شيء وكيل}
{أيشركون ما لا يخلق شيئا وهم يخلقون}
{أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تذكرون}
{يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب}
فهذه الآيات ونظائرها تدلّ أن المقتضي والداعي لعبادة الله تعالى هو كونه خالقا للناس، فيجب عليهم -عقلا- عبادته وترك عبادة غيره؛ فتكون الآيات إرشادا لحكم العقل من وجوب عبادة الخالق
وكذلك تُنبئ هذه الآيات عن منشأ الاعتراض على المشركين عبادتهم ما لا يخلق وتركهم عبادة ما يخلق؛ فيتحصّل من هذا الاعتراض أن الخلق المُسند إلى الله تعالى لا يقبل التخصيص ولا يقبل الإسناد لغيره تعالى -ولو بإقدار من الله- لكونه مناطا لاستحقاق العبادة، فكيف يعطيه الله لغيره؟!
وقد يُستفاد ذلك من قوله تعالى:
{ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض سبحان الله عما يصفون}
فهذه الآية تدلّ على أن كلّ إله يستحقّ صفة الألوهية (المعبودية) فهو خالق
وهذه الدلالة مأخوذة من قوله: "لذهب كل إله بما خلق" بعد قوله: "ما كان معه من إله"؛ فبنى على أن الإله الذي نفاه بقوله "ما كان معه من إله" = يجب أن يكون خالقا، وإلا فلا يصدق عليه أنه إله
فيُستفاد من ذلك أن استحقاق صفة الألوهية منوطة بكون صاحبها خالقا؛ وعليه يكون كل من أُسند إليه الخلق فهو إله مستحق للعبادة
قال الشيخ الطوسي -رحمه الله- في معرض تفسيره لقوله تعالى: أيشركون ما لا يخلق شيئا وهم يخلقون، ولا يستطيعون لهم نصرا ولا أنفسهم ينصرون:
"وفي الآية توبيخ من الله وتعنيف للمشركين، وإن خرج مخرج الاستفهام، بأنهم يعبدون مع الله جمادا لا يخلق شيئا من الأجسام ولا ما يستحق به العبادة، وهم مع ذلك مخلوقون محدثون ولهم خالق خلقهم؛ ونبّههم بذلك على أنه لا ينبغي أن يُعبد إلا من يقدر على إنشاء الأجسام واختراعها وخلق أصول النعم التي يستحق بها العبادة، وان ذلك لا يقدر عليه إلا الله تعالى الذي ليس بجسم، والقادر لنفسه"
التبيان ج٥ ص٥٦
قال الطبرسي في مجمع البيان ج١ ص٥٤ "قوله تعالى "إياك نعبد وإياك نستعين" :
"والعبادة ضرب من الشكر وغاية فيه؛ لأنها الخضوع بأعلى مراتب الخضوع مع التعظيم بأعلى مراتب التعظيم، ولا يُستحق إلا بأصول النعم التي هي خلق الحياة والقدرة والشهوة، ولا يقدر عليه غير الله تعالى، فلذلك اختص سبحانه بأن يُعبد"
٥- الاستهجان المرتكز في أذهان المسلمين -من زمن النبي صلى الله عليه وآله إلى يومنا هذا- حول إطلاق وصف خالق على غير الله تعالى؛ وهذا كاشف عن أن الخالق هو الله وحده
٦- لو أمر الله غيره بخلق العالم، للزم من ذلك كون الغير مالكا للعالم أو مشاركا لله تعالى في ملكه؛ وذلك لأن من يوجد شيئا من العدم فإنه يملكه، ولو قلنا أن الموجِد المباشر للعالم هو غير الله تعالى، فسوف يكون العالم مملوكا من قِبل ذلك الغير، أو مشاركا لله في ملكه
وهذا مناف لملكيّة الله تعالى المطلقة للسماوات والأرض التي دلّ عليها القرآن الكريم في قوله تعالى { ولله ملك السماوات والأرض}
والحمدلله رب العالمين