تمر على الإنسان مواقف يحتاج فيها إلى اتخاذ موقف ما، ولكن اتخاذ المواقف ليس بالأمر السهل عند الإنسان العاقل، لأن العاقل يسعى لأن يصل للموقف الصحيح الذي لا يوقعه في متاعب أو مصاعب، ولذا نستطيع تصور حال الناس في اتخاذ المواقف ونقسمهم إلى هذه الأقسام:
القسم الأول:
من لا يتخذ المواقف أصلًا، وهو يجهل حال الأمور، فهو جاهل من جهة، وغير عامل من جهة أخرى، وهذا الإنسان غير معذور لا من جهة العقل ولا من جهة الشرع!
فالعقل كما الشرع يحكمان على الإنسان أن يطلب العلم ليصل إلى الموقف الصحيح المطلوب منه، ولذا ورد في الخبر الصحيح عن الإمام الصادق -عليه السلام- وقد سئل عن قوله تعالى "فلله الحجة البالغة" فقال "إن الله تعالى يقول للعبد يوم القيامة: عبدي كنت عالما؟ فإن قال: نعم، قال له: أفلا عملت بما علمت؟! وإن قال: كنت جاهلا، قال: أفلا تعلمت حتى تعمل؟! فَيَخْصِمُه! فتلك الحجة البالغة"فجهل الإنسان ليس عذرًا ما دام متمكنًا من البحث عن الحق واتخاذ الموقف الصحيح
القسم الثاني:
من يتخذ المواقف، ولكنه يتخذها وهو جاهل وغير محيط بالأمور، وهذا مصداق واضح لما روي عن الإمام الصادق -عليه السلام-:
"الْعَامِلُ عَلَى غَيْرِ بَصِيرَةٍ كَالسَّائِرِ عَلَى غَيْرِ الطَّرِيقِ لَا تَزِيدُهُ سُرْعَةُ السَّيْرِ إِلَّا بُعْدا".
بل قد يصل المقام بالإنسان إلى أن يكون جاهلًا مركبًا، فهو لا يخطئ فقط وإنما يعتقد أن خطأه هو الصلاح، وهو ما يشير له قوله تعالى "قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالًا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعًا".
وهذه الآية مخيفة لمن تأملها، إذ يصل الحال بالإنسان إلى الضياع والضلال مع الجزم بما يراه، فهو يحارب الحق الحقيقي معتقدًا أن باطله هو الحق، فهو لم يترك الحق ونصرته فحسب، بل حاربه وأضعفه!
القسم الثالث:
من يعلم الحق والطريق السليم ولكنه لا يعمل، فهو عالم غير عامل، وهذا القسم له أسبابه الكثيرة التي لا يسعها هذا المقال، ولكن لنستذكر ما روي عن النبي الأكرم -صلى الله عليه وآله-: أشد الناس عذابا يوم القيامة، عالم لم ينفعه علمه".
فعلم الإنسان لوحده غير كاف إن لم يقترن بالعمل، بل سيكون هذا العلم وبالًا على الإنسان يوم القيامة لأن الله عز وجل يخاصم الإنسان بهذا العلم "أفلا عملت بما علمت؟"
القسم الرابع:
وهو القسم الوحيد الذي يُنجي الإنسان، فلا طريق للنجاة إلا به، وهو أن يعلم الإنسان بالحق، ومن ثَمّ يعمل بهذا العلم، فيكون سائرًا على الحق عالمًا به، وهذا الطريق ليس بالطريق اليسير، فلن يكون الإنسان عالمًا دون طلب العلم، ولن يطلب العلم حق طلبه إن لم يعتبره أولوية في حياته ويفرغ بعض وقته له، ولهذا ورد عن النبي الأعظم -صلى الله عليه وآله- "أفٍّ لرجل لا يفرغ نفسه في كل جمعة لأمر دينه فيتعاهده ويسأل عن دينه" -وفي رواية أخرى "لكل مسلم"-.
من هنا نعلم أن اتخاذ المواقف والآراء في شتى المجالات ليس بالأمر اليسير الذي يصح فيه من كل أحد أن يعطي رأيه ونظره في المسألة!
فللدين أهله، وللطب أهله، وللسياسة أهلها، وهلم جرًا في شتى المجالات، فلا ينبغي بل لا يجوز للإنسان أن يتحدث بما لا يعلم فضلًا عن اتخاذ المواقف فيها، يقول الله -عز وجل- "ولا تقفُ ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا"