يقول البعض إن مقامات الأئمة عليهم ليس لها حدّ إلا الربوبية
فيجوز أن نقول هو خالق ورازق وكل ما يخطر في البال من مقامات حتى ولو لم نجد نصّا على ذلك المقام!
لأن الروايات قالت: اجعلونا عبيداً مخلوقين، وقولوا فينا ما شئتم
والجواب على هذا الكلام:
أولا: إن صاحب هذا الكلام لا يلتزم أصلا بأن كلّ مقام دون الربوبية ثابت لهم عليهم السلام
فالنبوة والرسالة مثلا منفية عنهم، مع أن النبوة دون الربوبية!
فقد روى الكليني بسنده عن أبي عبدالله عليه السلام: إنما الوقوف علينا في الحلال فأما النبوة فلا
وقد يُقال: إن مقام الأئمة عليهم السلام أعلى من الرسل والأنبياء، فلا يأتي النقض علينا!
فنقول: أولا كونهم عليهم السلام أفضل من الرسل الأنبياء لا يعني أنهم رسل ولا أنبياء، فالنبوة معناها تلقّي الوحي عبر المنام، والرسالة معناها رؤية الملك وإيصال رسالة أو شريعة جديدة؛ وأما الإمام فهو مُحدَّث، أي أنه يسمع صوت الملك، من غير أن تنزل عليه شريعة جديدة
روى الكليني بسنده عن أبي جعفر عليه السلام: النبي الذي يرى في منامه ويسمع الصوت ولا يعاين الملك، والرسول الذي يسمع الصوت ويرى في المنام ويعاين الملك، قلت: الامام ما منزلته؟ قال: يسمع الصوت ولا يرى ولا يعاين الملك
فهم ليسوا رسلا ولا أنبياء وإن كانوا بحسب المقام والفضل عند الله أفضل من الرسل والأنبياء ما عدا نبينا صلى الله عليه وآله وسلم
فتبيّن أن صاحب هذا الكلام لا يلتزم أن كل مقام دون الربوبية يمكن نسبته للأئمة عليهم السلام!
ثانيا: إن هذا الحديث مقيّد بأحاديث أخرى تمنع من القول فيهم ما لم يقولوه في أنفسهم، حتى وإن لم تكن في الربوبية
فقد روى الكليني بسنده عن رجل يسأل أبا جعفر عليه السلام: جعلت فداك ما الغالي؟ قال: قوم يقولون فينا ما لا نقوله في أنفسنا، فليس أولئك منا ولسنا منهم
فالغلو إذن ليس محصورا فقط في القول فيهم بالربوبية، بل الغلو يشمل أيضا قول كل ما لم يقولوه في أنفسهم عليهم السلام، وإثبات ما ام تقم عليه حجة يجعل القائل بذلك في معرض الدخول فيمن يقول فيهم ما لم يقولوه في أنفسهم عليهم السلام
وعليه فإن قول الإمام عليه السلام "قولوا فينا ما شئتم" لا يُراد منه فتح باب القول بغير علم، فإن هذا غير مُحتمل، ومن يفهم هذا الفهم فهو -على أحسن تقدير- جاهل
وهذا نظير من يفهم من قول الإمام عليه السلام:
"إذا عرفت فاعمل ما شئت" على أنه يجوز ارتكاب المحرمات إذا كانت العقيدة صحيحة!!
وقد ردّ الإمام عليه السلام هذا الفهم السقيم، عندما قال له أحد الأصحاب: روي لنا أنّك قلت: إذا عرفت فاعمل ما شئتَ، فقال: قد قلت ذلك، قال: قلت: وإن زنوا أو سرقوا أو شربوا الخمر، فقال لي: إنّا لله وإنّا إليه راجعون، والله ما أنصفونا أن نكون أُخذنا بالعمل ووُضِعَ عنهم، إنّما قلتُ: إذا عرفتَ فاعمل ما شئتَ من قليل الخير وكثيره، فإنّه يُقبَلُ منك
وعليه يجب فهم الحديث وفق القواعد الشرعية المسلّمة من عدم جواز القول بغير علم والكذب وغيرها؛ بحيث يكون المراد من الحديث هو أن ما خرج إلينا من الفضائل الثابتة عليهم السلام هو أقلّ بكثير من الواقع، فنحن عاجزون عن معرفة الإمام حق معرفته وعاجزون عن إدراك فضله ومقامه عند الله تعالى، وليس المراد من الحديث الدعوة للقول بغير علم أو إثبات جميع ما يخطر على البال من مقام وإن لم نجده في حديث أو رواية!
فقد روى الصفار بسنده عن كامل التمار عن أبي عبدالله عليه السلام، قال: جعلت فداك فما يروى من فضلكم من ألف ألف باب إلا باب أو بابان؟
قال: وما عسيتم أن ترووا من فضلنا، ما تروون من فضلنا إلا ألفا غير معطوفة
وقد جاء نظير هذا المعنى عند بيان فضل المؤمن
فقد روى الكليني بسنده عن أبي جعفر عليه السلام: وكما لا يقدر على صفتنا كذلك لا يقدر على صفة المؤمن، إنّ المؤمن ليلقى المؤمن فيصافحه، فلا يزال الله ينظر إليهما والذّنوب تتحاتّ عن وجوههما كما يتحاتّ الورق من الشّجر حتّى يفترقا، فكيف يقدر على صفة من هو كذلك؟!
ولا شكّ أنه لا يجوز نسبة مقامات وفضائل مخترعة للمؤمن بحجة أن فضله ومقامه لا يُعرف!!
فكذلك الإمام صلوات الله عليه لا تجوز نسبة إليه مقامات وفضائل لم تقم عليها دليل أو برهان بحجة أن فضله عند الله تعالى لا يُعرف أو أن ماخرج إلينا في فضله أقلّ من الواقع!!
وننقل أيضا كلام للسيد محمد مهدي الخلخالي من فقه الشيعة كتاب الطهارة ج٣ ص١٣١
و منها: ما عن أمير المؤمنين عليه السّلام أيضا في خصال الصدوق: «إياكم والغلو فينا قولوا: انا عبيد مربوبون، وقولوا في فضلنا: ما شئتم» إذ لعله يتوهم منه: أن عموم قوله عليه السّلام«قولوا في فضلنا: ما شئتم»يشمل التفويض. ولكن يدفعه أن نهيه عليه السّلام عن الغلو في حقهم وإثبات العبودية والمربوبيّة لهم عليهم السّلام ينفيان التفويض، كما هو واضح. فيكون المعنى قولوا في فضلنا ما شئتم مما يناسب العبودية والمربوبية
والحمدلله