من محاضرة شهادة الإمام الصادق -عليه السلام-١٤٤٢هـ للسيد علي أبو الحسن
[توطئة]
من المعروف أن الصادق -عليه السلام- أكثر الأئمة حديثا، وأحاديثه هي العمدة في تكوين الرؤية الشيعية الإمامية، وهذا راجع لأسباب سياسية واجتماعية، وإلا فالأئمة -عليهم السلام- كلهم نور واحد يستوون في العلم بما يحتاج إليه الناس، ولا فرق بينهم من هذه الجهة.
ابتلي الإمام الصادق -عليه السلام- في زمانه ببلاء عظيم، وذلك بنمو حركة الغلاة، ويمكن أن يقال: إن الشخصية الرئيسة في تحركات الغلاة في عصر الإمام -عليه السلام- هو محمد بن أبي زينب مقلاص الأسدي المعروف بأبي الخطاب الأسدي، فهو رأس الغلو.
وللغلو صور يمكن بيانها بحسب ما ورد في روايات أهل البيت -عليهم السلام- بالتالي:
١. الاعتقاد بألوهية غير الله تعالى وأن الأئمة -عليهم السلام- آلهة وأرباب.
٢. الاعتقاد بنبوة الأئمة -عليهم السلام-.
٣. الاعتقاد بإسقاط الشرائع؛ فالشيعي المغالي لو لم يصل ولم يصم ولم يطع الله أصلا = أمره محسوم، وهو في الجنة.
٤. الاعتقاد بتفويض الخلق والرزق للأئمة -عليهم السلام-؛ فهم مخلوقون، ولكن بعد أن خلقهم الله تعالى جعل أمر خلق المخلوقات كلها ورزقها بيدهم -عليهم السلام-.
[روايات اعتقادهم بألوهية الأئمة -عليهم السلام- ونبوتهم]
روى الكشي بسند موثق: «عن حنان بن سدير، عن أبي عبد الله -عليه السلام- قال: كنت جالسا عند أبي عبد الله وميسر عنده، ونحن في سنة ثمان وثلاثين ومائة، فقال ميسر بياع الزطي: جعلت فداك عجبت لقوم كانوا يأتون معنا إلى هذا الموضع فانقطعت آثارهم وفنيت آجالهم! قال: ومن هم؟ قلت: أبو الخطاب وأصحابه، وكان متكئا فجلس فرفع إصبعه إلى السماء ثم قال: على أبي الخطاب لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، فأشهد بالله أنه كافر فاسق مشرك، وأنه يحشر مع فرعون في أشد العذاب غدوا وعشيا، ثم قال: أما والله إني لأنفس على أجساد أصليت معه النار.»
وروى بسند صحيح: «عن أبان بن عثمان، قال: سمعت أبا عبد الله -عليه السلام- يقول: لعن الله عبد الله بن سبأ إنه ادعى الربوبية في أمير المؤمنين -عليه السلام- وكان والله أمير المؤمنين -عليه السلام- عبدا لله طائعا، الويل لمن كذب علينا، وإن قوما يقولون فينا ما لا نقوله في أنفسنا، نبرأ إلى الله منهم نبرأ إلى الله منهم.»
[روايات اعتقادهم بإسقاط الشرائع]
روى الكشي بسند صحيح: «عن أحمد بن محمد بن عيسى، كتب إليه في قوم يتكلمون و يقرءون أحاديث ينسبونها إليك وإلى آبائك فيها ما تشمئز فيها القلوب، ولا يجوز لنا ردها إذ كانوا يروون عن آبائك عليهم السلام، ولا قبولها لما فيها..» إلى أن يقول: «من أقاويلهم: أنهم يقولون إن قول الله تعالى: {إن الصلاة تنهى عن الفحشاء و المنكر} معناها رجل، لا سجود ولا ركوع، وكذلك الزكاة معناها ذلك الرجل، لا عدد درهم و لا إخراج مال، و أشياء من الفرائض والسنن والمعاصي تأولوها و صيروها على هذا الحد الذي ذكرت، فإن رأيت أن تبين لنا وأن تمن على مواليك بما فيه السلامة لمواليك ونجاتهم من هذه الأقاويل التي تخرجهم إلى الهلاك، فكتب عليه السلام: ليس هذا ديننا فاعتزله..»
ولا زال امتداد نسل الخطابية موجودا إلى يوم الناس هذا فلا يصلون ولا يقيمون الفرائض.
[روايات اعتقادهم بتفويض الخلق والرزق إلى الأئمة -عليهم السلام-]
روى الصدوق بسند صحيح : «عن ياسر الخادم قال: قلت للرضا -عليه السلام- ما تقول في التفويض؟ فقال: إن الله تبارك و تعالى فوض إلى نبيه صلى الله عليه وآله أمر دينه فقال: {ما آتاكم الرسول فخذوه و ما نهاكم عنه فانتهوا} فأما الخلق و الرزق فلا، ثم قال عليه السلام: إن الله عز و جل يقول: {الله خالق كل شيء} و هو يقول: {الله الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم هل من شركائكم من يفعل من ذلكم من شيء سبحانه وتعالى عما يشركون}.»
روى الكشي بسند يمكن أن يصحح على كثير من المباني العلمية: «عن محمد بن أبي عمير، قال: حدثنا بعض أصحابنا قال: قلت لأبي عبد الله -عليه السلام-: زعم أبو هارون المكفوف أنك قلت له: إن كنت تريد القديم فذاك لا يدركه أحد وإن كنت تريد الذي خلق ورزق فذاك محمد بن علي!، فقال: كذب علي عليه لعنة الله، والله ما من خالق إلا الله وحده لا شريك له، حق على الله أن يذيقنا الموت، والذي لا يهلك هو الله خالق الخلق بارئ البرية.»
فعقيدة هذا الشخص ليس أن الإمام إله قديم بل الإله القديم الذي لا أول له هو الله تعالى لكن الخالق الرازق هو الإمام -عليه السلام- وقد لعنه الإمام بحسب هذه الرواية، والكلام ذو تفصيل طويل لا يحتمله هذا المقام.
[إيمان أبي الخطاب]
من المهم التأمل في حال أبي الخطاب رأس الغلو.
روى الكليني بسند صحيح: «عن عيسى شلقان قال كنت قاعدا فمر أبو الحسن موسى -عليه السلام- ومعه بهمة، قال: قلت: يا غلام، ما ترى ما يصنع أبوك، يأمرنا بالشيء ثم ينهانا عنه؛ أمرنا أن نتولى أبا الخطاب ثم أمرنا أن نلعنه ونتبرأ منه؟
فقال أبو الحسن -عليه السلام- -وهو غلام-: إن الله خلق خلقا للإيمان لازوال له، وخلق خلقا للكفر لازوال له، وخلق خلقا بين ذلك أعارهم الإيمان يسمون المعارين إذا شاء سلبهم، وكان أبو الخطاب ممن أعير الإيمان.
قال: فدخلت على أبي عبد الله -عليه السلام- فأخبرته ما قلت لأبي الحسن -عليه السلام- وما قال لي فقال أبوعبد الله -عليه السلام-: إنه نبعة نبوة.»
فهذا يبين أن أبا الخطاب كان صالح الحال ولم يكن منحرفا أو عاصيا وما نريد البحث عنه هو مشكلة أبي الخطاب التي ابتلي فيها أثناء إيمانه وقادته إلى ما قادته، فهل هي أمراض؟ وهل هي موجودة الآن؟ وهل يمكن تجنبها؟ لكي نبعد عن فكره وطريقه الذي سار عليه لعنه الله.
[حالة الأخذ من غير الأئمة -عليهم السلام- عند أبي الخطاب]
روى الكليني بسنده: «عن هاشم صاحب البريد قال: كنت أنا ومحمد بن مسلم وأبو الخطاب مجتمعين، فقال لنا أبو الخطاب: ما تقولون فيمن لم يعرف هذا الأمر؟ فقلت: من لم يعرف هذا الأمر فهو كافر، فقال أبو الخطاب: ليس بكافر حتى تقوم عليه الحجة، فإذا قامت عليه الحجة فلم يعرف فهو كافر، فقال له محمد بن مسلم: سبحان الله! ما له إذا لم يعرف ولم يجحد يكفر؟ ليس بكافر إذا لم يجحد.
قال: فلما حججت دخلت على أبي عبد الله -عليه السلام- فأخبرته بذلك فقال: إنك قد حضرت وغابا ولكن موعدكم الليلة الجمرة الوسطى بمنى.
فلما كانت الليلة اجتمعنا عنده وأبو الخطاب ومحمد بن مسلم فتناول وسادة فوضعها في صدره ثم قال لنا: ما تقولون في خدمكم ونسائكم وأهليكم؟ أليس يشهدون أن لاإله إلا الله؟ قلت: بلى، قال: أليس يشهدون أن محمدا رسول الله -صلى الله عليه وآله-؟ قلت: بلى، قال: أليس يصلون ويصومون ويحجون؟ قلت: بلى، قال: فيعرفون ما أنتم عليه؟ قلت: لا، قال: فما هم عندكم؟ قلت: من لم يعرف هذا الأمر فهو كافر.
قال: سبحان الله! أما رأيت أهل الطريق وأهل المياه؟ قلت: بلى، قال: أليس يصلون ويصومون ويحجون؟ أليس يشهدون أن لاإله إلا الله وأن محمدا رسول الله؟ قلت: بلى، قال: فيعرفون ما أنتم عليه؟ قلت: لا، قال: فما هم عندكم؟ قلت: من لم يعرف هذا الأمر فهو كافر.
قال: سبحان الله! أما رأيت الكعبة والطواف وأهل اليمن وتعلقهم بأستار الكعبة؟..» إلى أن يقول: «قلت: من لم يعرف فهو كافر.
قال: سبحان الله! هذا قول الخوارج. ثم قال: إن شئتم أخبرتكم، فقلت أنا: لا، فقال: أما إنه شر عليكم أن تقولوا بشيء ما لم تسمعوه منا. قال : فظننت أنه يديرنا على قول محمد بن مسلم.»
يفهم من هذه الرواية أن هذا الشخص وأبا الخطاب يملكان حالة من الرأي والقول من غير أخذ شيء من الإمام -عليه السلام-، وهذه الحالة ستتبين أكثر في الروايات وهذه الرواية ليست واضحة التهمة على أبي الخطاب لأن المشكلة مرتكزة على صاحب البريد.
روي في كتاب درست بن أبي منصور ضمن الأصول الستة عشر بسنده: «عن زرارة قال: دخلت أنا وأبو الخطاب قبل أن يبتلى ويفسد على أبي عبد الله -عليه السلام- فسئله عن صلاة رسول الله -صلى الله عليه وآله- فأخبره فقال: أزيد إن قويت؟ قال: فتغير وجه أبي عبد الله -عليه السلام- قال: ثم قال: إنى لأمقت العبد يأتيني فيسئلني عن صنيع رسول الله فأخبره فيقول: "أزيد إن قويت؟" كأنه يرى أن رسول الله قد قصر، ثم قال: إن كنت صادقا فصلها في ساعات بغير أوقات رسول الله -صلى الله عليه وآله-.»
هذه الحالة حالة المبالغة والغلو في الدين، فيقال له "هذا المستحب" و"هذا الوارد" فيريد أن يعمل أزيد من ذلك، وكذلك قول القائل: "أنا لا آكل اللحم" أو "أنا لا أتزوج" أو "أنا أصوم جميع الأيام" أو "أنا لا أفعل كذا وكذا" والنبي -صلى الله عليه وآله- يفعله، أفأنت أفضل من النبي -صلى الله عليه وآله-؟ فلا بد لنا أن نلتزم بما أتى عن النبي -صلى الله عليه وآله- والأئمة الأطهار -عليهم السلام-ونأخذ منهم أعمالنا، يظهر من أبي الخطاب من مجموعة من الروايات أنه يمتلك هذه الحالة حالة المبالغة والغلو في الدين.
[سوء الفهم عند أبي الخطاب]
من المشاكل التي ابتلى فيها أبو الخطاب هي سوء الفهم عنده، فالمكلف أحيانا يتصور أن له السعة في فهم ما يريد على الطريقة التي يريد وهو غير صحيح.
روى الصفار بسند معتبر: «عن حمران عن أبي جعفر -عليه السلام- قال: قال رسول الله: من أهل بيتي اثنا عشر محدثا فقال له عبد الله بن زيد كان أخا علي لأمه: سبحان الله كان محدثا كالمنكر لذلك، فأقبل عليه أبو جعفر -عليه السلام-فقال: أما والله إن ابن أمك بعد وقد كان يعرف ذلك، قال: فلما قال ذلك سكت الرجل، فقال أبو جعفر: هي التي هلك فيها أبو الخطاب، لم يدر تأويل المحدث والنبي -صلى الله عليه وآله-.»
هذه الرواية موجودة في مصادر متعددة تتضمن آية يقول الله تعالى فيها: {وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته} وفي بعض القراءات المروية عن ابن عباس وأهل البيت -عليهم السلام- إضافة "ولا نبي ولا محدث"، فيقول الإمام أن هذه الآية هلك فيها أبو الخطاب، بمعنى: أن أبا الخطاب لما أدرك أن الأئمة (ع) يعلمون علوما خاصة ويتم تحديثهم بأمور خاصة ادعى كونهم أنبياء كما ورد في رواية ثم قال أنهم آلهة، فأبو الخطاب لم يفهم الفرق بين النبي والمحدث وتوهم أن كل من يُحدّث فهو نبي، وقد قال الله تعالى: {وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه} ولم تكن نبية بل محدثة.
ومن الأمثلة الموجودة في الروايات أن الصلاة عندنا تؤخر إلى ذهاب الحمرة المشرقية إما احتياطا أو وجوبا على خلاف بين العلماء، أما أبو الخطاب فذهب إلى الكوفة وقال لهم أن الصلاة تؤخر إلى اشتباك النجوم أي: ذهاب الحمرة المغربية أي: في وقت صلاة العشاء، فالخطابية كانوا كذلك -في حال التزامهم بالصلاة وقبل تركها-، فالإمام -عليه السلام- يلعنه بسبب سوء فهمه وامتلاكه حالة تسرع.
فهذه النقطة الثانية في حال أبي الخطاب وهي سوء الفهم.
[مجالسة أبي الخطاب للسفلة]
روى الكشي بسند جيد: «عن المفضل قال: سمعت أبا عبد الله يقول: اتق السفلة واحذر السفلة، فإني نهيت أبا الخطاب فلم يقبل مني.»
السفلة هم مجموعة من الناس الذين لا اهتمام لهم في الأمور الدينية، لكن الملفت أن أبا الخطاب معهم، لماذا؟ بعض الأشخاص يكون له ارتباط بالتشيع بعنوانه العام لكنه في الواقع لا ارتباط له بالدين ولا يهتم بما يقول ولا بما يقال فيه وبعبارة أخرى: لسانه لا عاقل لها
هذا النوع من السفلة تنتشر عندهم أفكار: أنك إذا عرفت الإمام فلا ضرورة في الفرائض؛ إن صليت أو لم تصل فليس من المهم في شيء، كذلك إن صمت أو لم تصم، وهلم جرا، فالجلوس مع هؤلاء من أسباب الانحراف.
[كذب أبي الخطاب]
وقد ورد في الروايات عن المعصوم -عليه السلام- أن أبا الخطاب كان يكذب عليه، وهذه من الأمور التي من الممكن أن نبتلى فيها والعياذ بالله، نجد أحدهم لا فقه ولا نظر له في الروايات يتكلم بجزم قائلا مثلا: "من قال أن الخمس واجب؟! فهذا حديث الإمام الصادق -عليه السلام- أن الخمس حلال شيعتنا" فهو ممن حفظ شيئا وغابت عنه أشياء؛ فقد قرأ حديثا من غير الرجوع إلى بقية الروايات بل من غير الرجوع إلى العلماء وسؤالهم فبعض الروايات يحتاج جمعا بطريقة وهذا لا يقدر عليه إلا من خاض غمار العلوم.
وكذا من ادعى أن القرآن محرف استنادا إلى رواية في كتاب غير معروف ولم يرجع إلى العلماء فيناقشهم بالمنطق السليم، وكذا من ادعى أن الأئمة -عليهم السلام- هم خالقو الكون استنادا إلى رواية رديئة المصدر ويدعي أن من عارض فهو غير محب للأئمة -عليهم السلام-، والإمام الصادق -عليه السلام- يلعن من يقول قولا لم يقولوه في أنفسهم -عليهم السلام-، فقد تأذى الإمام -عليه السلام- أذى شديدا منهم وكانت هذه من ظلامته -عليه السلام-.
[حالة الإمام -عليه السلام- عند سماع الغلو]
روى الكشي بسنده: «عن مصادف قال: لما أتى القوم الذين أتوا بالكوفة: دخلت على أبي عبد الله -عليه السلام-فأخبرته بذلك فخر ساجدا وألزق جؤجؤه بالأرض وبكى وأقبل يلوذ بإصبعه ويقول: بل عبد لله قن داخر مرارا كثيرة، ثم رفع رأسه ودموعه تسيل على لحيته فندمت على إخباري إياه، فقلت: جعلت فداك وما عليك أنت من ذا! فقال: يا مصادف إن عيسى لو سكت عما قالت النصارى فيه لكان حقا على الله أن يصم سمعه ويعمى بصره، ولو سكت عما قال في أبو الخطاب لكان حقا على الله أن يصم سمعي ويعمي بصري.»
وروى بسنده: «عن عبد الرحمن بن كثير قال: قال أبو عبد الله -عليه السلام- يوما لأصحابه: لعن الله المغيرة بن سعيد ولعن يهودية كان يختلف إليها يتعلم منه السحر والشعبذة والمخاريق! إن المغيرة كذب على أبي -عليه السلام- فسلبه الله الإيمان، وإن قوما كذبوا علي ما لهم،أذاقهم الله حر الحديد! فوالله ما نحن إلا عبيد الذي خلقنا و اصطفانا ما نقدر على ضر ولا نفع، إن رحمنا فبرحمته وإن عذبنا فبذنوبنا، والله ما لنا على الله من حجة ولا معنا من الله براءة وإنا لميتون ومقبورون ومنشرون ومبعوثون وموقوفون ومسئولون، ويلهم ما لهم لعنهم الله فلقد آذوا الله وآذوا رسوله -صلى الله عليه وآله- في قبره وأمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمد بن علي -صلوات الله عليهم- وها أنا ذا بين أظهركم لحم رسول الله وجلد رسول الله أبيت على فراشي خائفا وجلا مرعوبا، يأمنون وأفزع وينامون على فرشهم وأنا خائف ساهر وجل أتقلقل بين الجبال والبراري، أبرأ إلى الله مما قال في الأجدع البراد عبد بني أسد أبو الخطاب لعنه الله، والله لو ابتلوا بنا وأمرناهم بذلك لكان الواجب ألا يقبلوه، فكيف وهم يروني خائفا وجلا أستعدي الله عليهم وأتبرأ إلى الله منهم، أشهدكم أني امرؤ ولدني رسول الله -صلى الله عليه وآله- وما معي براءة من الله، إن أطعته رحمني وإن عصيته عذبني عذابا شديدا أو أشد عذابه.»
وهذا مما لا بد أن يحضر عند المكلف، فقد يقول مقالة فيها ضرر على الإمام المهدي -عليه السلام-، فيقول المعصوم -عليه السلام-: إن التقية من ديني ودين آبائي ولا دين لمن لا تقية له، فأحيانا بعض الحق لا بد للإنسان ألا يظهره فضلا عن القول الباطل الذي لا أصل له.
والإمام الصادق -عليه السلام- عانى كثيرا من جهات متعددة والغلو جهة من الجهات فهي تؤدي إلى قتله -عليه السلام-، فهؤلاء يحسبون على الأئمة -عليهم السلام- كما نحسب نحن، فلا بد من مراعاة تصرفاتنا والكلام الذي نقوله ونربي أنفسنا على ذلك فنحن منسوبون إليهم -عليهم السلام-، فيقولون -عليهم السلام- كونوا دعاة إلى أنفسكم بغير ألسنتكم وكونوا زينا ولا تكونوا شينا، وكونوا دعاة للناس بالخير بغير ألسنتكم ليروا منكم الاجتهاد والصدق والورع، فهكذا ينبغي أن يكون المؤمن أمينا تقيا ورعا صادقا، فهذا يدخل على قلب الإمام السرور.
ولا بد من التأمل في هذه الأمور، والأمر وإن كان شاقا فالتدرج فيه يوهنه.
والحمد لله رب العالمين.